النص السماعي رسالة مهاجر
الحصة الأولى تحديد التوقعات
رسالة مهاجر
في 16 تشرين الأول 1951
وصل إلى كوناكري رجل في السادسة والثلاثين ، ترك خلفه في بيروت زوجه وولدين ، ولكنه حمل لهم معه حبا لا يضاهيه إلا الأمل الذي كان يغمر صدره في الحصول على الثروة والعودة إليهم . حلم آفاق منه عندما قذفته الباخرة على المرفأ في وجه إفريقيا ، يطوف نهاره في المدينة غريبا ، ويأوي في الليل إلى زريبته مع بضعه عشره من رفاقه ينظرون إلى أحلامهم تتخاطفها الجرذان في تلك الزريبة بينما تتخطف من طعامهم الرديء ومتاعهم المرقع الحقير .
ولقد هم مرارا بالرجوع من حيث أتى لولا أن تلقاه ذات يوم احد مواطنيه من المهاجرين القدماء . اركبه في سيارة ، وذهب به في أدغال ليس لها اسم ، ثم حطه في مزرعة خيل إليه أنها على حدود البعد وقال له :
تكون قيما على مزرعة الموز هذه التي هي لي ، ويكون في خدمتك 20 من العمال الأفارقة.
تحصن الرجل من الحشرات السامة منذ البداية. وكان لا ينام إلا ضمن ستار سميكة تكاد تخمد أنفاسه. وأما الأفاعي فلم يلبث أن اخذ يسابق العمال الأفارقة في مطاردتها ، لكن القدر كان يهيئ له بالرغم من احتياطه شيئا آخر.
في إحدى الليالي عاد الرجل إلى كوخي فلم تقوى يداه على الامتداد إلى مأكل أو مشرب.
ألقى جسمه المنهوك على الفراش وفي ظنه انه
يستريح بعد أن أتم عمله واقفل الموسم .
كان ينام لياليه السابقة منهكان من فرط التعب
غير انه استيقظ تلك الليلة على ألام تمزقه. مدى يده إلى قنديل الكاز بجانب
الفراش ليشغله ، وينهض إلى
زاوية في الكوخ التي حجبها بستاره من الخيش ، وجعل منها حمام ، لكن
ركبتيه خانتاه. وحين
تمسك بأستاره هوى معها إلى الأرض ونظر إلى ضوء القنديل الكئيب . ضربته
الشمس ضربتها ، وتركت
علاماتها على وجهه لم يجد بجواره من يسعفه.
في الصباح وجد نفسه محمولا على محفة يأخذ بها
عاملان. كانت
الشمس قد علت في الأفق نظر الرجل حواليه فأدرك أن الجماعة تعيده إلى فراشه بعد أن
قدمت له كل الإسعافات التي أنقذته .
تعليقات
إرسال تعليق